تمهيد:
شخصية الفرد في الدولة بادزة ، لا تفنى فيها وإنما تقوم بإزائها ، تعينها على بقائها وصلاحها ، كما تعمل هي على بقاء شخصية الفرد و صلاحه ، لأن البقاء وصلاح كل منهما ضروري للأخر ، فلا تنافر بين الإثنين ولا تعارض ، ولا مصلحة لأحدهما في مخاصمة الاخر و معارضة .
وإنما قد يحدث شىء من ذلك عند انحراف أحدهما عن نهج الإسلام الذي يخضع له الإثنان ... من أجل هذا كله يتمتع الفرض في الدولة الإسلامية بكامل حقوقه التى أقرها له الإسلام ، لأن ما أقره الإسلام تقره دولة الإسلام . ثم إن تمتع الفرد بحقوقه يعتبرأعظم ضمان لبقاء الدولة الإسلامية قوية سليمة البيان قادرة على تحقيق أهدافها . ومن ثم فإن الدولة تحرص على تمتع الأفراد بحقوقهم ، حرص هؤلاء على هذه الحقوق .. ولا مصلحة مطلقا للدولة في السطو على هذه الحقوق ، لأن قامت لتمكين الأفراد من أن يحيوا الحياة الإسلامية ، ومن أهم أسباب هذا التمكين تمتعهم بحقوقهم بل ودفعهم إلى استعمال هذه الحقوق .
منهج البحث:
وتسهيلا للبحث نقسم الحقوق التي يتمتع الأفراد في الدولة إلى قسم : حقوق عامة للرعية او الأفراد فى الدولة الإسلامية . ونتكلم عن كل منها في مبحث على حدة .
وأنا في معالجتي للحقوق العامة في الشريعة الإسلامية ، اتبع التقسيم الذي يذكره علماء القانون لهذه الحقوق ، لأرى مدى ما يتمتع به الإفراد من هذه الحقوق في ظل الإسلام . وعلى هذا ، سأقسم هذا المبحث إلى مطلبين : الأول للمساوة ، والثاني للحريات .
الحقوق العامة للأفراد
التعريف بالحقوق العامة :
الحقوق العامة هي الحقوق اللازمة للإنسان ، باعتباره فردا في مجتمع ولا يمكنه الاستغناء عنها وهي مقررة لحمايته في نفسه وحريته وماله.[1]
وينقسم علماء القانون هذه الحقوق إلى قسمين كبيرين : (الأول) المساوة ، (الثاني) الحرية . وقد تنوعت المساواة إلى أنواع ، منها مساواة أمام القنون ، و مساواة أمام القضاء . كما تنوعت الحرية إلى أنواع منها ، منها : الحرية الشخصية ، وحق التملك ، وحرمة المسكن ، وحرية العقيدة والعبادة ، وحرية الرأي والتعليم. [2]
المطلب الاول
مكانته المساواة في الشريعة الإسلامية :
المساواة في الشريعة الإسلامية أصل عظيم ، فالإسلام يقرر مساواة البشر جميعا فى أصلهم الأول ، و يجعل تفاضلهم على أساس العمل الصالح ومل يقدمونه من خير ، فأصل البشر واحد ، وما جعلهم شعوبا وقبائل إلا ليتعرفوا وما يؤيدي إليه التعارف من تعاون ، لا أن يتفاخروا بأنسابهم وما يؤدي أليه هذا التفاخر من بغي ، وطلب للامتياز على أساس الجنس والأصل والقبيلة . وبذلك اجتث الإسلام جذور العصبية الجاهلية والتفاخر بالأنساب والألوان ، وصار ميزان التفاضل بين البشر قائما على اساس ما يكسبنه من جميل الصفات ، وما يقدمونه من صالح الأعمال ، وما في نفوسهم من معاني التقوى .
واصــــل المســـــاواة في الشـــــريعة عميق الجذور ، نجذ مــــظاهره في كثير من احـــكام الشريعة ومبادئها . نذكر مــــن ذلك ، المســــاواة أمام القانــون والمســـاواة أمــام القضــــــاء .
المساواة أمام القنون :
المساواة أمام القنون ، مظهر من مظاهر مبدأ المساواة ، وهو ما يقضي به العدل الذي جاء به الإسلام . فالقنون يطبق على الجميع دون محابة لأحد ولا تميير لفرد على آخر بسبب الجنس أو المنصب أو الغني أو القرابة أو الصداقة ، بل و حتى العقيدة [3] أو غير ذلك مما يختلف فيه الناس . جاء في الحديث الصحيح ( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف التركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد . وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .
أهمية المساواة أمام القانون :
إن تطبيق هذه المساواة يشيع في نفوس المواطنين الرضى والطمئنان على حقوقهم ، ويجعلهم يحسون بضرورة بقاء دولتهم ، فيحرصون على بقائها والدفاع عنها ، أما إذا خرقت هذه المساواة ، وطبق القانون على الضعيف دون القوي ، وعلى المغمور دون المشهور ، فأن النفوس ، نفوس عامة الناس ، تحس بخيبة مريرة ، ويضعف ولاؤها للدولة ، ولا يهمها بقاؤها أو هلاكها ، ويشيع الظلم في المجتمع ، لأن الحق للأقوى لا للمحق ، و الكلمة الفاصلة للقوة لا للقانون . وإذا صار أمر الدولة إلى هذه الحالة فلا بقاء لها ، ولهذا قيل : ( تبقى الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، وتفنى الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة ).
[1] أصول القانون ، للسنهوري. ص 278.
[2] الفرد والدولة فى الشريعة الإسلامية ، الدكتور عبد الكريم زيدان ، الطبعة الثانية 1390 هـ ، ص 59 International Islamic Federation, USA. .
مؤلف لا يوافق ( للدكتور عثمان خليل، مؤلف الديمقراطية الإسلامية على هذه التسمية لأن الإسلام نظام قائم بذاته ، له أفكاره وفلسفته و أحكامه.
[3] قال د. عبد الكريم الزيدان , الأصل أن القانون الإسلامى يطبق على المسلم وغير المسلم إلا ما يخص العقيدة ويتصل بها : انظر تفصيل ذلك في كتابه ( أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام ). Ibid
0 Komen:
Catat Ulasan
Pada pendapat anda?